نظرية العامل و المعمول و تعليم
العربية
إعداد : فؤاد
مناجات
الأفكار
التجريدية
إن اللغة العربية و مجال تعليمها ما زالت تعانى المشكلات
الكثيرة خصوصا فيما يتعلق بالطريقة المناسبة لتعليم العربية. و هذه المشكلة تزداد
شدة حينما تتعلق بتعليم العربية لغير الناطقين بالعربية. هناك مشكلاتان أساسيتان
تتعلق بتعليم العربية للطلبة الإندونيسيين. المشكلة الأولى ما تتعلق بالإشكالات
اللغوية من بينها الأصوات و المفردات و النحو و الكتابة. أما الجانب الثانى فيرتبط
بالمسائل غير اللغوية معظمها إشكالات العربية اجتماعية و ثقافية.
و فى هذه الكتابة يركّز الباحث دراسته فى إحدى عناصر
الإشكالات اللغوية يعنى مشكلة النحو و بالخصوص الحديث حول لب القضايا النحوية ألا
و هو نظرية العامل و المعمول التى قد حث الحوار حولها قديما و حديثا على الجدال
المستمر بين مؤيديها و مناقضيها. و الجدال الحار حول المشكلة قد أدى إلى ظهور
الخلافات الكثيرة بين المدارس النحوية ما أدت بالتالى إلى صعوبة تعليم العربية
سواء كان ما ينطبق على الدارسين العرب و لا سيما على الناطقين بغير العربية.
تعريف العامل
و المعمول و العمل
كان جل اهتمام
علماء القرن الثانى الهجرى منصبا على تقويم اللسان فيما يتعلق بالحركة الإعرابية و
استخراج القواعد التى تضمن ذلك، و استنباط القوانين التى تحقق لغير العرب إمكان
النطق على سمت العرب، فكانت لهم مجموعة من القواعد و القوانين تدور فى معظمها حول
فكرة (العامل) النحوى أو تتصل به بشكل مباشر فى علم يسمى (النحو) و وضعوا لهذا
العلم المصطاحات النحوية التى تيسر لهم عملية التعليم، و هى فى حقيقة أمرها ألفاظ
من اللغة العربية اصطلحوا عليها و حملواها معانى أخذت الأجيال تحملها – بشيئ من
التطوير – من جيل إلى جيل دون أن يكون العربي القديم، الذى نطق بالعربية سليقة،
على علم بها أو بشيئ منها (عمايرة : 52).
يقول الجرجاني
إن العامل هو ما أوجب آخر الكلمة على وجه مخصوص من الإعراب (الشريف علي بن محمد
الجرجاني : 145). و يقول الغلاييني إن العامل ما يحدث الرفع، أو النصب، أو الجزم،
أو الخفض، فيما يليه (الغلاييني : 3/597).
و العوامل هي
الفعل و شبهه، و الأدوات التى تنصب المضارع أو تجزمه، و الأحرف التى تنصب المبتدأ
و ترفع الخبر، و الأحرف التى ترفع المبتدأ و تنصب الخبر، و حروف الجر، و المضاف، و
المبتدأ.
و المعمول :
هو ما يتغير آخره برفع ، أو نصب، أو جزم، أو خفض، بتأثير العامل فيه. و المعمولات
هي الأسماء، و الفعل المضارع. و المعمول على ضربين : معمول بالإضافة، و معمول
بالتبعية. فالمعمول بالأصالة هو ما يؤثر فيه العامل مباشرة، كالفاعل و نائبه، و
المبتدأ و خبره، و اسم الفعل الناقص و خبره، و اسم أنّ و أخواتها و أخبارها، و
المفاعيل، و الحال، و التمييز، و المستثنى، و المضاف إليه، و الفعل المضارع
(الغلاييني : 3/597).
و المبتدأ
يكون عاملا، لرفعه الخبر، و يكون معمولا لتجرده من العوامل اللفظية للابتداء، فهو
الذى يرفعه. و المضاف يكون عاملا، لجره المضاف إليه، و يكون معمولا، لأنه يكون
مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا، حسب العوامل الداخلة عليه. و المضارع و شبهه (ما عدا
اسم الفعل) عاملان فيما يليهما، معمولان لما يسبقهما من العوامل.
و المعمول
بالتبعية : هو ما يؤثر فيه العامل بواسطة متبوعة، كالنعت و العطف و التوكيد و
البدل، فإنها تُرفع أو تنصب أو تجر أو تجزم، لأنها تابعة لمرفوع أو منصوب أو مجرور
أو مجزوم. و العامل فيها هو العامل فى متبوعها الذى يتقدمها.
و العمل (و
يسمى : الإعراب أيضا) : هو الأثر الحاصل بتأثير العامل، من رفع أو نصب أو خفض أو
جزم (الغلاييني : 3/598).
نشأته و تطوره
فقد استقر فى
رأى النحاة أن الحركات الإعرابية و ما
يتصل بها إنما هى أثر لمؤثر أوجدها، و لا يتصور العقل وجودها بغيره، متأثرين فى
هذا بما تقرر فى العقائد الدينية، و مجادلات (علم الكلام)، من أن لكل حادث محدثا،
و لكل موجود موجدا. و لا يصح فى الذهن مخلوق بغير خالق، و لا مصنوع بغير صانع.
و أول من بدأ
بهذا المجال سبويه حين قال فى "باب مجاري أواخر الكلم من العربية" :
و هي تجري على ثمانية مجار : على النصب و الجر و الرفع و
الجزم، و الفتح و الضم و الكسر و الوقف. و هذه المجاري الثمانية يجمعهن فى اللفظ
أربعة أضرب : فالنصب و الفتح فى اللفظ ضرب واحد، و الجر و الكسر فيه ضرب واحد،
كذلك الرفع و الضم، و الجزم و الوقف. و إنما ذكرت {لك} ثمانية مجار لأفرق بين ما
يدخله ضرب من هذه الأربعة لما يحدث فيه العامل – و ليس شيئ منها إلا و هو
يزول عنه – و بين ما يبنى عليه الحرف بناء لا يزول عنه لغير شيئ أحدث ذلك فيه من العوامل،
التى لكل عامل منها ضرب من اللفظ فى الحرف، و ذلك الحرف حرف الإعراب (سيبويه :
1/13، الشطر التحتي من قبل الباحث)
فإذا قلنا : (الشمس نافعة، كانت الشمس نافعةً،
إن الشمسَ نافعة، يتمتع الناس بالشمس النافعة) فما الموجد الذى أوجد الضمة، أو
الفتحة، أو الكسرة فى الكلمات السابقة فجعل أواخرها مرفوعة حينا، منصوبة أو مجرورة
حينا آخر، و قد ينقل إحداها من الرفع أو من النصب أو من الجر إلى غيره؟ ما الذى
فعل هذا و كان له وحده القدرة على إيجاده و خلقه؟
إنه المتكلم
فى رأي ابن جنى (فى الخصائص كما نقله ابن مضاء : 77) و قال ابن مضاء إنه من عند
الله سبحانه (ابن مضاء : 77). و إنه العامل اللفظي أو غير اللفظى فى رأي الجمهور
من النحاة، فرفع الكلمات السابقة أو جرها أو نصبها أو جزمها ليس إلا أثرا للمتكلم
وحده، هو الذى عمله، و اجتلبه، و أبقاه، أو غيّره عند أصحاب الرأي الأول، و هو عند
أصحاب الرأي الثانى أثر للعامل اللفظي إن وجد، (مثل : كان، فإنها رفعت
"الشمس" و نصبت "نافعة"، و مثل : إن، فإنها نصبت
"الشمس" و رفعت
"نافعة"، و مثل : الباء، فإنها جرت "الشمس" – كل ذلك فى
الأمثلة السابقة). و إن لم يوجد العامل اللفظي ظاهرا بين الألفاظ، فليس معنى ذلك
أنه غير موجود ألبتة، بل قد يكون مستترا (مثل : أنْ – الناصبة المضمرة وجوبا) و قد
يكون محذوفا (كعامل الإغراء و التحذير) سواء أ كان الحذف وجوبا أم جوازا (عباس حسن
: 66).
فإن لم يوجد
العامل اللفظى ظاهرا أو مستترا فليس معنى ذلك أنه لا وجود له – لاستحالة وجود أثر بغير مؤثر، كما قلنا، و إنما معناه
أنه معنوي لا يَمُت فى كيانه بصلة إلى الكلمات و الألفاظ، و لا يتكون من شيئ منها.
و من ثم لا مادة محسة له، و لا ينطق به و لا يظهر أو يقدر فى الكلام، كرفع كلمة
الشمس (و هى مبتدأ) بالابتداء، و كرفع (يتمتع) و هى فعل مضارع بالتجرد من الناصب و
الجازم (عباس حسن : 66).
و تطورت
الأبحاث الكثيرة عن العوامل حتى لا يخلو أي كتاب من كتب النحو إلا فيه أبحاث معقدة
يعتمد معظمها على هذه النظرية.
أقسام العوامل
يقول عبد
القاهر الجرجاني إن العوامل فى اللغة العربية مائة عامل، و تنقسم هذه العوامل إلى
قسمين كبيرين عامل لفظي و معنوي (الفطاني : 4). فالعامل اللفظي هو المؤثر الملفوظ
(الغلاييني : 3/597). و هو على قسمين سماعي و قياسي، فالعامل السماعي هو ما صح أن
يقال فيه هذا يعمل كذا، و هذا يعمل كذا، و ليس لك أن تتجاوز، كقولنا : إن الباء
تجر و لم تجزم و غيرهما (الشريف على بن محمد الجرجاني: 145)
و العامل
القياسي ما صح أن يقال فيه كل ما كان كذا، فإنه يعمل كذا، كقولنا : غلام زيد، رأيت
أثر الأول فى الثانى، و عرفت علته قست عليه ضرب زيد و ثوب بكر (الشريف على بن محمد
الجرجاني: 145). أما العامل المعنوي فهو الذى لا يكون للسان حظ، و إنما هو معنى
يعرف بالقلب (الشريف على بن محمد الجرجاني: 145-146). و بالتالى يعرض تقسيم
العوامل على الجدول الجرجانى :


و كأن
الجرجاني يتبع رأي البصريين فى اعتبارهم أن العوامل المعنوية تنقسم إلى قسمين
العامل فى الابتداء و رافع المضارع. و هناك خلاف بين البصريين و الكوفيين فى رافع
المبتدأ و الخبر الذي سيذكر فى آراء اللغويين حول نظرية العامل و المعمول بعد
قليل.
آراء
اللغويين حول نظرية العامل و المعمول
هناك مشاكل
كثيرة تتعلق بظاهرة العامل فى النحو العربي. كما عرفنا أن هناك عدة عوامل لفظية و
معنوية. و انقسمت اللفظية إلى أنواع عديدة. أضف إلى هذه المشاكل الخلاف بين نحاة
البلدين (البصرة و الكوفة) فى مسألة واحدة. و كثيرا ما يقع الخلاف بين آراء مذهب
واحد حتى تتكاثر أقوال النحاة فى مسألة واحدة.
و انظر مثلا
أقوالهم فى رافع المبتدأ و الخبر. فيذهب البصريون - و فى مقدمتهم سيبويه - إلى أن
الابتداء هو العامل فى رفع المبتدأ. فالابتداء هو كون الكلمة فى ابتداء الجمل و هو
عامل معنوي (ابن عقيل : ج1/107). و سار على نفس النهج ابن مالك الأندلسي حين قال :
و رفعوا مبتدأ
بالابتدا # كذاك رفع خبر بالمبتدا
و أما الخبر
فكان رافعه هو المبتدأ كما أشار إليه البيت السابق فى مصراعه الثانى (ابن عقيل :
ج1/107). و يقول عمايرة :
"و من النحاة البصريين من
يرى أن المبتدأ مرفوع بالابتداء، و الخبر مرفوع بالمبتدأ وحده. و منهم من يرى أن
كلا من المبتدأ و الخبر مرفوع بالابتداء. و منهم من يرى أن المبتدأ مرفوع
بالابتداء و أما الخبر فمرفوع بالابتداء و المبتدأ. و فريق أخير منهم يرى أن
المبتدأ و الخبر يترافعان فيعمل كل منهما فى الآخر" (عمايرة :62).
أما
موقف الكوفيين فى هذه المسألة فيرفضون وجود هذا العامل بسبب إمكانية رفع فعل
الماضى حين وقع أول الجملة. و هذا أمر باطل عندهم. فالكوفيون ينكرون وجود العامل
المعنوي فى المبتدأ (عمايرة : 62).
و فى التالى
جدول بعض الخلاف بين البصريين و الكوفيين (صلاح رواي : 422-427، بالتصرف).
رقم
|
المسألة
|
البصريون
|
الكوفيون
|
1
|
رافع المبتدأ و الخبر
|
المبتدأ يرفع بالابتداء و الخبر يرفع بالمبتدأ
|
المبتدأ يرفع الخبر و الخبر يرفع المبتدأ
|
2
|
العامل فى المفعول به
|
الفعل
|
الفعل و الفاعل، أو الفاعل أو معنى المفعولية
|
3
|
المنصوب فى باب الاشتغال
|
بفعل مقدر
|
بالفعل الظاهر
|
4
|
أي العاملين فى التنازع أولى بالعمل
|
الفعل الثانى
|
الفعل الأول
|
5
|
العامل فى خبر (إن)
|
(إن) نفسها
|
باق على رفعه قبل دخولها
|
6
|
علة رفع الفعل المضارع
|
لقيامه مقام الاسم
|
تعريته من الناصب و الجازم
|
7
|
أصل الاشتقاق
|
المصدر
|
الفعل
|
8
|
ناصب الفعل بعد (حتى)
|
بتقدير (أن)
|
(حتى) بنفسها
|
و
من هذه القائمة يستطيع الباحث أن يقول إن الخلافات الكثيرة تشير إلى وجود وجهة
النظر المتميزة بين هذين المذهبين. فالبصريون يفضلون المنطق أكثر من الكوفيين.
فالعوامل عند البصريين لها أقوي منها عند الآخرين. يقول المخزومي :
"و لكن الكوفيين – بالرغم من تأثرهم بالمنهج الجديد
– لم يستطيعوا التخلص من آثار ما نشؤا عليه من منهج دراسي، ألفوه فى حياتهم
العلمية فى البيئة الكوفية، و لذلك كان العامل عندهم أضعف من العامل البصري، لأن
العامل البصري له قوة العلة الفلسفية، و تأثيرها، و أحكامها، فكما لا يجتمع على
المعمول الواحد علتان، لا يجتمع على المعمول الواحد عاملان، و إذا اجتمعا فالمعمول
لأحدهما، لا لكليهما" (المخزومي : 261).
و مع قلة
تأثير العناصر الفلسفية فى المدرسة الكوفية إلا أن هناك ظواهر كثيرة تشير إلى وجود
الجانب الفلسفي فى هذا المجال. فهذه الظاهرة تبرز فى كثرة العوامل المعنوية التى
يزيد عددها من العوامل المعنوية التى أشار إليها البصريون.
فقد كان
للبصريين عاملان معنويان هما الابتداء فى مسئلة المبتدأ و الخبر و رافع المضارع
كما ذكرناه قبل قليل. أما الكوفيون فيزيدون بجانب هذين العاملين عوامل كثيرة منها :
1-
الإسناد، عند
هشام بن معاوية ، يقول به فى تعليل
الفاعل، و عنده أن الفاعل إنما ارتفع بالإسناد، و أن كون الفعل مسندا إليه
كان مقتضيا فيه الرفع.
2-
و منها :
الفاعلية، عند خلف الأحمر، و هى رافع الفاعل عنده، و يخيل إلىّ أن خلفا و هشاما
متفقان، و إن اختلفت عبارتاهما، فليست الفاعلية إلا تلبس الفاعل بالفعل، أو إسناد
الفعل إلى الفاعل، و لذلك كان الرضى ينسب القول بالإسناد إلى خلف، و يخيل إلي أيضا
أنهما أخذا ذلك عن الكسائي فى ذهابه إلى أن رافع الفاعل هو : (كونه داخلا فى
الوصف).
3-
و منها :
المفعولية، كما يقول أبو البركات بن الأنباري و السيوطي، أو كونه مفعولا، كما يقول
الرضى، و هى عامل النصب فى المفعول به عند خلف.
4-
و منها :
التجرد عن الناصب و الجازم، و مجال عمله الفعل المضارع، و كان الكوفيون يقولون :
إن الفعل المضارع يرتفع إذا لم يدخله النواصب، أو الجوازم، (فعلمنا أن بدخولها دخل
النصب أو الجزم، و بسقوطها عنه دخله الرفع)، و لقى رايهم هذا تأييدا من الدارسين
المتأخرين، فكان المعرّبون يستندون إليه فى اعتلالهم لارتفاع الفعل المضارع.
5-
و أهم عواملهم
ما سموه بالخلاف، المعروف أنه مصطلح كوفي، لم يقل به بصري، إلا أن الظاهر أنهم
تصيدوه من كلام الخليل، مرجعهم الأول فى هذه المدرسة، كما هو مرجع البصريين الأول،
و للخليل فى الاستثناء كلام يشبه كلام الكوفيين فى (الخلاف)، فقد كان يقول : (إنما
نصب المستثنى هنا، لأنه مخرج مما أدخلت فيه غيره)(المخزومي : 292-293).
و يزيد عليه
عمايرة الصرف و هو عنده عامل معنوي يعمل النصب فى الفعل المضارع بعد الواو أو
الفاء أو بعد حرف أو إذا كانت هذه الحروف مسبوقة بنفي أو طلب، كما فى لا تأكلْ
سمكا و تشربَ لبنا (عمايرة : 65).
و صفوة القول : أن هناك أمورا معقدة تتعلق
بنظرية العامل و المعمول. هذا لأن هناك عوامل متنوعة لا بد من دراستها. و هذه الأمور تحول دون متعلمي العربية و لا
سيما المبتدؤون عربا كانوا أو عجما. أضف إلى هذه الصعوبة مثالا بسيطا فى قولنا :
(يقوم زيد) و (زيد يقوم)، و مع وجود العناصر المساوية (كلمة : " يقوم")
و (كلمة : زيد) إلا أن النحاة يعبرون كلمة "زيد" فى الجملة الأولى
"فاعل" و فى الثانية "مبتدأ". و كلمة " يقوم" فى
الجملة الأولى "مرفوع لوقوعه موقع الاسم عند البصريين و مرفوع لتجرده عن
النواصب و الجوازم عند الكوفيين"، و فى الثانية "جملة الفعل و الفاعل فى
محل رفع خبر عند البصريين و لا يعترف بوجود تقدير ضمير الفاعل عند الكوفيين".
و هذه الظاهرة
دعت إلى وجود رفض لنظرية العامل و المعمول. و رأس هذه الدعوة ابن مضاء الأندلسي
بعد أن سار على موقف ابن جنى فى نسبة تغير حركة آواخر الكلم إلى المتكلم نفسه دون
العوامل بل جاوز ابن مضاء على ابن جني حين نسب الموجد فى تغير اواخر الكلم إلى
الله سبحانه.
الدعوة إلى
إلغاء العامل
و مع أن صبغة
النحو (القديم) أو من الممكن أن نسميه النحو التقليدي أو نحو سبويه - نظرية العامل
و المعمول لها حظ كبير فى مثل هذا النحو - سائدة فى مسيرة النحو العربي إلا أن
هناك من يناقض كيان هذه النظرية. فقد نقد هذه النظرية النحاة الكثيرون
بعضهم من النحاة القدماء و معظمهم من النحاة المعاصرين.
فمن القدماء
نجد ابن جنى و ابن مضاء نقدا هذه النظرية. فابن جنى يقول إن المحدث فى تغيرات
أواخر الكلم هو المتكلم بنفسه و ليس العامل كما اعترف به النحاة. و ابن مضاء خصص
فكرته فى إلغاء هذه النظرية فى كتابه الفريد (كتاب الرد على النحاة).
كان ابن مضاء
يبحث بعض المشاكل التى تتعلق بصعوبة دراسة النحو العربي و يخصص فى أربع مسائل :
إلغاء نظرية العامل، إلغاء العلل الثواني و الثوالث، و إلغاء القياس، و إلغاء
التمارين غير العملية (شوقي ضيف : 24-43). فبالنسبة لهذه المقالة يركز الباحث فى
المسألة الأولى التى هي لب هذا البحث.
افتتح ابن
مضاء كتابه بقوله :
"قصدي فى هذا الكتاب أن أحذف من النحو ما يستغنى
النحويّ عنه، و أنبه على ما أجمعوا (النحاة) على الخطأ فيه. فمن ذلك ادعاؤهم أن
النصب و الخفض و الجزم لا يكون إلا بعامل لفظي، و أن الرفع منها يكون بعامل
لفظي و معنوي، و عبروا عن ذلك بعبارات توهم فى فى قولنا (ضرب زيد عمرا) أن الرفع
الذي فى زيد و النصب الذى فى عمرو إنما أحدثه ضرب" (ابن
مضاء: 76، الشطر التحتي من قبل الباحث).
و إذا نظرنا
إلى هذا الاقتباس نجد أن الغرض من كتاب المصنف هو إصلاح و تنقيح النحو العربي من
العناصر الصعبة التى تحول بينها و بين دارسي العربية.
و يستمر ابن
مضاء فى اعتراضه على المسائل العديدة منها :
1-
الاعتراض على تقدير العوامل المحذوفة، و جاء المصنف بمثال قول الله تعالى : و قيل
للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا (ابن مضاء : 76-82).
2-
إجماع النحويين على القول بالعوامل ليس بحجة (نفس المرجع : 82).
3-
الاعتراض على تقدير متعلقات المجرورات، و مثّله المصنف : (زيد فى الدار، رأيت فى
الدار الهلال فى السماء) و علّق المصنف أن هذا كله كلام تام لا يفتقر السامع له
إلى زيادة (كائن و لا مستقر) (نفس المرجع
: 87).
4-
الاعتراض على تقدير الضمائر المستترة فى الأفعال (نفس المرجع : 90).
5-
و خصص المصنف فصلين مستقلين بحث فيهما التنازع و الاشتغال.
و تبع هذه
الأفكار النحاة المعاصرون منهم شوقى ضيف، و تمام حسان، و المخزومى، و إبراهيم
مصطفى، و المعايرة مع وجود الخلافات فى الجوانب الكثيرة حتى ظهرت ألوان جديدة من
النحو العربي ما يسمى بالنحو الميسر.
فالأستاذ
إبراهيم مصطفى، على سبيل المثال، يرفض أن تكون الحركات على أواخر الكلام فى الجملة
بأثر من عامل لفظي أو معنوي ظاهر أو مقدر، و يرى أن يربط هذه الحركات بالمعانى
التى تشير إليها فى الجملة. و يجعل إبراهيم مصطفى الضمة علما للإسناد، و دليلا على
أن الكلمة المرفوعة يراد أن يسند إليها و يتحدث عنها. أما الكسرة، عند رأيه، فإنها
علم الإضافة و إشارة إلى ارتباط الكلمة بما قبلها، سواء كان هذا الارتباط بأداة أو
بغير أداة. و أما الفتحة فليست علامة إعراب و لا دالة على شيئ، بل هي الحركة
الخفيفة المستحبة عند العرب (عمايرة : 75-76).
و يرى تمام
حسان أن فكرة القرائن عند الجرجاني يغني عن القول بفكرة العامل النحوي الذى قال به
النحاة القدماء، و الذى يرى بأنه جاء لتوضيح قرينة لفظية واحدة (انظر عمايرة :
86-87).
و أما عمايرة
فيرى بأن الجملة لا بد من اعتبارها حدا أدنى من الكلمات التى تحمل معنى يحسن
السكوت عليه. و يعد الجملة العربية على قسمين الجملة التوليدية و الجملة
التحويلية. فالأولى تنقسم إلى إطارين كبيرين هما : الإسمية و الفعلية. و أما
الثانية فإنها تكون لمعنى جديد تحول عن المعنى الذى كان للجملة التوليدية (عمايرة
: 87). فاستخدامه العناصر التحويلية يغني عن استخدام العوامل النحوية. و كأن
عمايرة فى ذلك يتبع بما مهد عليه تشومكي فى النحو الغربي التوليدي و التحويلي.
و هذه الظاهرة
- عند الباحث – يدفعها الدافعان الخارجي و
الداخلي. فالدافع الخارجي يمكن اتصاله بالنحو الغربى أي باتصال اللغويين العرب
بالثقافة الغربية و منها تيارات عديدة من مثل هاليداي فى فكرته functional grammar، و نوعيم جومسكي فى النحو التوليدي و
التحويلى. و الدافع الثانى داخلي، و هو دعوة النحويين القدماء من أمثال قطرب
المستنير، و ابن جنى، و ابن مضاء الأندلسى.
تعليم
النحو بالمعاهد الإندونيسية
و هذا البحث –
و إن لم يقصد التعمق فى المجال التعليمي – يمكن ربطه بالجانب التعليمي. و يعني
الباحث بتعليم النحو فى المدارس و المعاهد والجامعات بإندونيسيا.
و فى بداية
الأمر يفرّق الباحث بين تعليم اللغة العربية بصفة عامة و بين تعليم النحو. فتعليم
النحو لم يوجد إلا فى المعاهد و الكليات المخصصة لذلك. فهناك معاهد كثيرة و معظمها
السلفية يدرس فيها النحو مستعملين الكتب المتأثرة بنظرية العامل و المعمول.
ففى
معهد ليربويو (Lirboyo Kediri) تدرس الكتب
النحوية أمثال ألفية ابن مالك، و الآجرومية، و قواعد الإعراب، و عوامل الجرجاني (www.lirboyo.com/index.php?req=profile&menu=2&id=denah). و فى معهد المنور كرابياك (Al-Munawwir Krapyak) يوغياكرتا تدرس الكتب النحوية أمثال ألفية
ابن مالك، و الآجرومية، و متممة، و النحو الواضح، و قواعد اللغة العربية (www.almunawwir.com).
و فى معهد تيبو إيرانج (Tebu Ireng) تدرس الكتب
العمريطي و النحو الواضح للمرحلة المتوسطة و ألفية ابن مالك و متممة للمرحلة المتقدمة
(www.ditpertais.net/istiqro/ist).
فمن
العرض السريع فى الكتب النحوية المستخدمة فى المعاهد يوجد هناك أن الكتب المستخدمة
لا تزال بعيدة عن روح تيسير النحو. فكتاب الأجرومية و ألفية ابن مالك و متممة و
عوامل الجرجانى كانت ترتب حسب نظرية النحو القديم. و يوجد كتاب واحد "النحو
الواضح" يرتب حسب دعوة تيسير النحو أي حسب اتجاه النحو الوظيفي.
و هذه الظاهرة
يمكن تفسيرها من خلال الهدف فى دراسة العربية عامة و النحو خاصة. فالمعاهد السلفية
تدرس العربية و النحو لغرض فهم النصوص الدينية فى الأولية، بينما المعاهد العصرية
تركز اهتمامها بالهدف الاتصالي.
ظاهرة
فشل تعليم اللغة العربية
فى الحقيقة لم
يستطع الباحث أن يقوّم تقويما عاما بالنسبة لظاهرة فشل تعليم اللغة العربية
بإندونيسيا. هذا لأن تعليم اللعربية بإندونيسيا له هدافان مهمان. فالهدف الأول هو
هدف ديني و يتميز هذا فى اهتمام مهارة القراءة، و يغلب هذا الاتجاه فى المعاهد
التقليدية. و قد نجح جل تلك المعاهد فى تحقيق غرضهم. أما الهدف الثانى فيتمثل فى
الجانب الاتصالى و ربما يتعلق فشل تعليم اللعربية بهذا الجانب لأن معظم المعاهد و
المدارس لم تستطع بعد أن تحقق هذا الهدف الاتصالي.
فهناك ثلاثة
أنماط فى تعليم العربية بإندونيسيا
1-
التعليم
المكثف، الذى تعطى فيه الأوقات الطويلة و المكثفة و تستخدم الوسائل المختلفة و
المتعدد للوصول إلى هدفي الديني و الاتصالي. و يوجد مثل هذا الاتجاة فى شعبة اللغة
العربية و شعبة تعليم اللغة العربية و المعاهد العصرية.
2-
التعليم
التقليدي، الذى تدرس فيه العربية و العلوم الدينية الأخرى جنبا على جنب. و يوجد
هذا الاتجاه فى معظم المعاهد التقليدية.
3-
التعليم
التكميلي، الذى تدرس فيه العربية كجزء صغير من الحصص الدراسية الأخري و يتمثل هذا
النوع فى دراسة العربية بمدارسنا الابتدائية و المتوسطة و الثانوية و يستمر فى
الجامعة (انظر أوريل بحر الدين، دت: 3).
ففشل تعليم اللغة العربية بإندونيسيا
ككل و فشل تعليم الجانب الاتصالي على وجه الخصوص يتعلق بنمطي التعليم التقليدي و
التكميلي. و يبرر على هذا الفشل طول زمان الدراسة و كان متعلمو العربية لم
يستطيعوا الحوار و المحادثة رغم أنهم قد انتهزوا معظم أوقاتهم فى دراسة العربية.
خلاصة
و اقتراحات
و بعد العرض البسيط فى هذا البحث استطاع
الباحث أن يستخرج الأشياء التالية :
1- إن نظرية
العوامل فى التراث العربي تعد نظرية أساسية اعتمد عليها النحاة فى بناء النحو
العربي على مر العصور
2- ظهور هذه
النظرية فى أول أمره لغرض تعليمي أي لمراعاة اللسان من اللحن فى التكلم و تطورت
حتى تكون معقدة بالأشياء الفلسفية
3- المشكلة فى
هذه النظرية تنسب إلى وجود العوامل المختلفة بين النحاة و هذا الاختلاف لم يقع بين
المذاهب فحسب بل يتسع إلى الاختلاف فى مذهب واحد.
4- أضف إلى
هذه المشكلة اختلاف المصطلحات المستخدمة فى تسمية الظواهر اللغوية فالبصريون
استعملوا مصطلح "اسم الفاعل" بينما الكوفيون استعملوا "الفعل
الدائم"، و استعمل الأول "ضمير الفصل" و الثانى
"العماد"، و استعمل الأول "الصفة" و استعمل الثاني
"النعت".
5- نقد
العلماء هذه النظرية و منهم قطرب، و ابن جني ، و ابن مضاء و دعوا إلى تنقيح النحو
العربي من هذه العناصر المعقدة. و كان ابن مضاء خصص دعوته إلى انصراف من قيود
العوامل فى كتابه الفريد "كتاب الرد على النحاة"
6-
أما بالنسبة لتعليم العربية عامة و تعليم النحو على وجه الخصوص بالمدارس و المعاهد
و الجامعات الإندونيسية فلا بد من اعتبار الهدف الرئيسي فى دراستها.
7-
و ينبغي الطلبة المتخصصون فى العربية أن
يكونوا مؤهلين فى مثل هذه النظرية لكونهم اللغويين من سيخطط تعليم العربية.
المراجع
ابن مضاء القرطبي، كتاب الرد على النحاة (تحقيق
الدكتور شوقي ضيف)، ط 3، (1982)، دار المعارف، القاهرة
أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، الكتاب : كتاب سيبويه
(تحقيق و شرح عبد السلام محمد هارون، ج 1، ط 3، (1988)، مكتبة الخانجي،
القاهرة
أحمد بن محمد
زين بن مصطفى الفطاني، تسهيل نيل الاماني فى شرح عوامل الجرجاني،
(د.ت.)، مكتبة دار إحياء الكتب العربية، إندونيسيا
أوريل بحر الدين، "أنماط تنمية تعليم العربية
بإندونيسيا"، مقالة مقدمة فى الدورة التدريبية لمحاضري اللغة العربية
بالجامعات الإسلامية بإندونيسيا المنعقدة فى مدينة باتو، إندونيسيا، بتاريخ 20
يونيو – 15 يوليو 2007 بتعاون بين وزارة الشؤون الدينية مع الجامعة الإسلامية
الحكومية مالانج.
بهاء الدين أبى محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله
العقيلي، شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، ط 3 (2004)، دار الكتب العلمية،
بيروت – لبنان
خليل أحمد عمايرة، فى التحليل اللغوي : منهج وصفي
تحليلي و تطبيقه على التوكيد اللغوي، و النفي اللغوي، و أسلوب الاستفهام،
مكتبة المنار، الأردن- الزرقاء، (1987)
الشريف علي بن محمد الجرجاني، كتاب التعريفات، ط
3 (1988)، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان
صلاح رواي ، النحو العربي : نشأته، تطوره، مدارسه،
رجاله، دار غريب للطباعة و النشر و التوزيع، القاهرة، (2003)
عباس حسن : اللغة و النحو، بين القديم و الحديث،
دار المعارف بمصر، 1966
مصطفى الغلاييني، جامع الدروس العربية : موسوعة فى
ثلاثة أجزاء، ط 1 (2005)، المكتبة العصرية، صيدا – بيروت
مهدي المخزومي، مدرسة الكوفة و منهجها فى دراسة اللغة
و النحو، ط 2 (1958)، شركة مكتبة و مطبعة مصطفى البابى الحلبى و أولاده بمصر
المراجع الإلكترونية
www.ditpertais.net/istiqro/ist
Tidak ada komentar:
Posting Komentar